منتديات كرم العراق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لغز برج بابل

اذهب الى الأسفل

منقول حواسم لغز برج بابل

مُساهمة من طرف علي الزبيدي الخميس أكتوبر 18, 2007 8:51 pm

http://http://www.baqofa.com/forum/upload/20070907_090740_The_Tower_Of_Ba.jpg


برج بابل




يحوي الكتاب المقدس في طيّاته قصةً، أو أسطورةً طالما سلبت ألباب المترجمين أو باحثي دراسات الترجمة.وتروي هذه القصة حكاية التفرع اللغوي الذي حدث إثر انهيار برج بابل، والذي عدّه البشر أصل ظهور الترجمة. وفيما يلي نصّ الكتاب المقدس:
" كانت الأرض كلها لساناً واحداً، وحدث في ارتحالهم شرقاً أنهم وجدوا بقعةً في أرض شنعار وسكنوا هناك، وقال بعضهم لبعض هلمّ نصنع لبناً ونشويه شيّاً، فكان لهم اللبن مكان الحجر وكان لهم الحمر مكان الطين، وقالوا هلمّ نبن لأنفسنا مدينةً وبرجاً رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدد على وجه كل الأرض، فنزل الربّ لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنوا آدم يبنوهما، وقال الربّ هو ذا شعبٌ واحد ولسانٌ واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم بالعمل، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه، هلمّ ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبدّدهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفّوا عن بنيان المدينة، لذلك دعى اسمها بابل، لأن الربّ بلبل لسان كل الأرض، ومن هناك بددهم الربّ على وجه كل الأرض." (2)
وعلى هذا النحو يخرج الرب من بابٍ واحد ، أو زمرة الآلهة التي يطلق عليها العهد القديم (التوراة) اسم "ألوهيم" ، والدليل على أنهم أكثر من آله القول " لننزل إلى الأرض"، فالجمع هنا ليس للتبجيل أو التعظيم كما في خطاب الملوك ،أو لتعظيم الذات الإلهية ، بل هو جمع حقيقي لزمرة الآلهة. ويخرج من نفس الباب كذلك قاطنوا أرض شنعار من نفس الباب. ومن حيث خرج هؤلاء، يدخل المترجم، وهو الطبيب الذي يداوي- ولو بشكلٍ ضئيل- سقم تشتّت الألسن الذي حدث في بابل. وتيّمناً ببابل كان عنوان نشرة الإتحاد اللدولي الفيدرالي للمترجمين(FIT) "بابل". ولهذا أيضاً أطلق (جورج شتاينر) على كتابه في الترجمة- الصادر عام 1975- اسم "في إثر بابل"، وأطلق (جاك ديريدا) اسم "أبراج بابل"على مقاله الصادر عام 1980 ،والذي حلّل فيه فكر وآراء (والتر بنيامين)، وحدّث ولا حرج عن بقية العناوين التي حملت اسم بابل.
وعلى الرغم من ذلك،فقد أثارت أسطورة برج بابل أسئلةً أكثر من تلك التي أجابت عنها، مما صيّرها بلا شك لغزاً جذاباً حارت فيه ألباب البشر. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا نحن منشغلون بأسطورة اللغة الواحدة؟ هناك بالتأكيد سببٌ خفيٌ وراء ذلك.
لقد آمن بعض الكتّاب بوجود لغة أصلية واحدة ضاعت إثر تشتت الألسنة بعد انهيار برج بابل. ومن أهمّ هؤلاء الكتّاب روّاد الحركة الرومانسية في ألمانيا، بدءاً من (هيردر) والأخوين (شليجل) وحتى (هامبولت) و (جوته). ولقد امتدّت ربوع هذا الفكر حتى أسرت من جاء بعد الرومانسيين من أمثال (بنيامين) و (هيدجر) و (جورج شتاينر).وتتبلور بؤرة إيمانهم في أن هنالك طريقة سحرية لاسترداد اللغة الأصلية، ألا وهي الترجمة المثالية- أو غير المثالية كما يقول (بنيامين). ونتيجةً لذلك، يعتلي المترجم منبر البشرية ويصبح منقذها الذي يعيد إلى البشر لغتهم الموحدة،والتي وأدتها الآلهة في سهول شنعار.
هذا ومن الجدير بالذكر أن هناك أسطورةٌ أخرى مستوحاة من الأولى، ترعرعت بشكلٍ "علمي" في منتصف القرن التاسع عشر على يد (أوغست شليشر)، بإيحاءٍ موروثٍ من الرومانسيين الألمان. وتروّج هذه الأسطورة فكرة وجود شعب هندي-أوروبي أصلي كانت له لغة واحدة أساسية، أو اللغة الأصلية Ursprache تسمّى البروتو هندية-أوروبية. ولكن منذ أن خرج (شليشر) وأتباعه من علماء فقه اللغة بهذه الفكرة لم يتوفّر أي دليل على أن تلك اللغة قد تنسّمت هواءً في يومٍ من الأيام. ويبدو أن فكرة انحدار جميع اللغات الحديثة في أوروبا والهند من أصل لغةٍ واحدة هي مجرد فكرة متكلفة لا تمت إلى الواقع بصلة، فكيف كانت هذه اللغات تركيباً بسيطاً نقياً موحّداً، ثم غدت تركيباً معقداً مختلطاً ومتنوعاً؟
ومع ذلك، وبعد التسليم بأن فرضية وجود اللغة أو الشعب الهندي-أوروبي هي نتاج نقي لتأملٍِ وبحثٍ فكري، ما يزال معظم مؤرخي اللغة يجدون فائدةً جليلة في تأمل وبحث المكان الذي سكنه هذا الشعب المفترض وجوده في السابق، وأسلوب حياته ومعيشته، وأية آلهة عبدها...الخ. هذا وما يزال دارسو أصول الكلمات وتاريخها يكافحون لردّ الكلمات إلى الجذور الهندية-أوروبية المفترضة. وكما هو معلوم فإن النازيين قد سلّموا بأن الهندو-أوروبيين أو (الآريانز) كانوا في الأصل (اسكندنافيين) شُقر، طوال، ذوي بشرة فاتحة، ورؤوس طويلة، وهم السلالة النقية الأصلية لأوروبا قبل أن تشوبها دماء داكنة من بقاع أخرى من العالم.
وتكمن المعضلة الأساسية في كون أسطورة اللغة الأصلية النقية Ursprache - سواءً أوجدت على أرض شنعار أو في مكانٍ ما في أوروبا أو في شبه القارة الهندية- هي فكرة موروثة مبنية على حنين وتقديسٍ للماضي، وعلى إيمانٍ ذي طابعٍ غيبي. ومما لا يخفي على ذي لبٍ أن هذه الفكرة منحازة إلى فهمٍِ يقول بأن اللغة قد تدهورت بعد النقاء البدائي ، وهي لذلك بحاجةٍ إلى العودة إلى ذلك النقاء.
في الواقع، هناك أوجه تشابه بين اللغات الهندية واللغات الأوروبية تتمثل في حقائق موضوعية لا خلاف عليها، ويمكن التعبير عنها بعدة طرق ،حيث أن فرضية وجود لغة أصلية هندو-أوروبية تشتتت بين القارتين- الهندية والأوربية- هي مجرد أسطورة واحدة مفسّرة ، تحمل في طيّاتها العديد من المعاني الكامنة بين السطور.
هذا ولا تعدّ قصة برج بابل مرسوماً إلهياً لظهور المترجمين، فالآلهة لا تقول: " لنشتت لغتهم، حتى تكون هناك ترجمة"، بل تقول: " ...لنشتت لغتهم، حتى لا يستطيع أحدهم فهم حديث الأخر". والقولان كما هو واضح مختلفان تماماً لفظاً وموضوعاً، فالأخير يبدو وكأنه حظر تجوالٍ لأي شكلٍ من أشكال الترجمة أو الاتصال عبر الحواجز اللغوية(والتي يعدّ البعض تعلّم لغةٍ أجنبية أحدها).ويحمل القول كذلك معنى حذر الآلهة من تهديد البشر لأمنهم.
تصوّر هذه القصةُ الوحدةَ اللغوية وقدرة البشر في جميع بقاع الأرض على الاتصال ببعضهم البعض، على أنها تهديد للسيطرة الإلهية، مما دعا الآلهة إلى تمزيق هذه الوحدة. وفي مفارقةٍ طريفة تساند هذه الأيديولوجيا(المذكورة في الكتاب المقدس) الهجومَ على التنوّع اللغوي، ذلك الهجوم الذي انطلق في الولايات المتحدة على يد حركة (للإنجليزية فقط)، والتي تدعو إلى اتّخاذ اللغة الإنجليزية لغةً رسمية في الولايات المتحدة، حتى يتم بها سدّ باب التعليم ثنائي اللغة في المدارس، والحاجة إلى الترجمة الشفوية في المحاكم،..الخ. هذا وينتشر خوفٌ شديد لدى الأمريكان الناطقين بالإنجليزية من أن الناطقين بالأسبانية يسيطرون على البلاد- سكانياً على الأقل- ويحيكون مؤامرة هذه السيطرة من خلال اللغة الأسبانية، والتي لا تستطيع قوى الناطقين بالإنجليزية استيعابها.إذاً فالغرض الأساسي من الحملة هو التشتيت والتشويش على المواطنين الأسبان عن طريق إجبارهم على تعلّم الإنجليزية. ولكن المفارقة هنا هي مجرد مفارقة سطحية، لأن أسطورة برج بابل بأكملها هي بذاتها هجوم على التنوّع اللغوي، ففيها يتم تصوير الوحدة اللغوية على أنها خطر داهم- ولكن من وجهة نظر الآلهة. هذا وتشجّع القصة القارئ ضمنياً على التعاطف مع من سكنوا أرض (شنعار)، وبنوا برج بابل إلى أن تشتتت لغتهم الموحّدة وضاعت. وكما هو جليٌ فإن المغزى الفرعي للقصة هو أن الجميع كان يتكلم لغةً واحدة، ويجب عليهم أن يتكلموا لغةً واحدة من جديد، سواء أكانت الأسبرانتو(3)، أم الإنجليزية، أم أية لغة مشتركة(4) جديدة. وبالنظر إلى امتلاء القلوب بالشوق والحنين إلى اللغة الأصلية، نجد أن جميع محاولات الترجمة تصبح غير ذات جدوى بشكل مثير للشفقة، حيث يكون المترجم طاعناً في اللغة، لأنه يفشل في إعادتنا إلى الحالة الأولى قبل ظهور الحاجة إلى الترجمة.
علي الزبيدي
علي الزبيدي
عضو جديد
 عضو جديد

ذكر عدد الرسائل : 44
العمر : 39
بلد ألأقامة : egypt
ألحالة ألأجتماعية : اعزب
تاريخ التسجيل : 16/10/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى